لشخص أرهقه كلام الناس فان الراحة تنتابه وهو يستمع الى أغنية المطرب جورج وسوف. " كلام الناس ".
تبدأ الاغنية بعبارة " كلام الناس لا بيقدم ولا يأخر" فهل فعلا هذه المقولة صحيحة؟ ثم يتابع جورج وسوف تأكيده بالقول " كلام الناس ملامه وغيرة مش أكثر."
قد يتفق البعض وقد يختلف البعض الآخر مع هذه المقولة . وتماشيا مع مفهوم " لعم" أي نعم ولا في الوقت ذاته، فانني أرى أن كلام الناس عندما يتعلق الامر في الشأن العام له الأهمية القصوى حيث أنه من الضروري الاستماع الى ما يقوله الشارع ( نبض الشارع). أما عندما يتعلق الأمر بمسألة شخصية بحته، فانني أعتبر أن ذلك يشكل تعديا على حق الانسان المعني في أن يحفظ له/ا كيانه/ا.
ولكن فيما يتعلق بالشق الثاني الذي يؤكد أن كلام الناس هو ملامة وغيرة ليس الا، فانني أرى أنه لا يجوز التعميم وان كانت الغالبية تميل الى التدخل في الخلافات الشخصية أو العلاقات الشخصية من منطلق حب الاستطلاع، والبعض ينتابه الغيرة، والبعض الآخر ينصب نفسه " أبو العريف" صاحب التجارب والخبرات الحريص على نقل هذه التجربة وتلك الخبرة.
ثم يتساءل جورج وسوف بالقول " ليه يا حبيبتي نسمعهم أنا عاشق بسمعهم عيوني ما حد يمنعهم ولا في الوهم ح تأثر، بكلام الناس ... كلام الناس ... لا بيقدم ولا يؤخر".
وهنا وان كان يحق لأي كان أن لا يستمع الى ما يقوله الناس في مسألة شخصية تخصه وحده، الا أن الامور في مجتمعنا العربي لا تسير على هذه الشاكلة وبالتالي شاء هذا الشخص أم أبى فانه في النهاية سيجد نفسه مضطرا الى أن يأخذ ما يردده الناس من كلام بعين الاعتبار. وهناك العديد من الحالات التي " طار رأس " الشخص الذي لم يستمع الى " كلام الناس".
لكن جورج وسوف يطلق العنان لعينيه بأن تمتلك نظرة الحب والحنان، تلك النظرة التي لا يستطيع أن يحجبها أي كان من الدخلاء.
وينتفض جورج وسوف على المجتمع بالقول " أنا حاسس أنا شايف أنا فارس ومش خايف وبحبك مهما قالوا الناس ورافع في هواك الراس وعنك عمري يا عمري عنك عمري ما أتأخر" وهنا يؤكد أنه على استعداد للبوح علنا بهذا الحب الذي يعتمر في داخله وأنه سيكون الفارس الذي يستل سيفه دفاعا عن حبه ويواجه دون خوف ويجاهر بهذا الحب رغم كلام الناس ويرفع رأسه عاليا فخورا بعواطفه مؤكدا أنه سيكون حاضرا دوما لملاقاة محبوبته ولن يتأخر.
وبالتأكيد سوف تفقز هذه الصورة وتدغدغ ذاكرة كل شخص ( ذكرا كان أو أنثى) فعل ذلك وصارع من اجل تثبيت حبه في اطار عش الزوجية رغم معارضة العائلتين.
وفي هذا السياق يقول الكاتب الداغستناي رسول حمزاتوف أنه يروى عن الجبليين قولهم " اذا ما انطيت خنجرك فاضرب لكي تطعن الفارس والفرس معا" ولكنهم يضيفون " ولكن احذر فان حدّه قاطع".
جورج وسوف بعد هذا التراكم في الصورة يقطع عهدا حيث يقول " أنا حالف ما نتفارق أنا حالف لاكون عاشق وأشيلك جوا نني العين مهما تكلموا اللايمين كلامهم عمري يا عمري ما يأثر" مؤكدا حرصه على اللقاء وليس الفراق، مشددا على موضع محبوبته في مركز النظر ( وحبذا لو كانت في مركز القلب والوجدان والعقل) ليعود مجددا بترديد "وليه يا حبيبتي نسمعهم أنا عاشق بسمعهم عيوني ما حد يمنعهم ولا في الوهم ح تأثر، بكلام الناس ... كلام الناس ... لا بيقدم ولا يؤخر".
من وجهة نظري أن آداء جورج وسوف الغنائي كان رائعا، لأن الكلمة انبثقت من أعماق أعماقة وجاءت هذه الكلمات البسيطة لتمس داخل كل انسان منا كي يتوقف مع نفسه مفكرا اذا كان فعلا كلام الناس لا يقدم أو يؤخر، واذا ما تصرف ذات يوم كأحد " الذين يصفّون الكلام" وتدخل في شأن لا يعنيه.
أما الفيديو كليب فلم يكن موفقا حيث بدأ بصورة للفنان جورج وسوف مع محبوبته على ظهر مركب ، ثم تبعها المحبوبة ترقص على أنغام الاغنية في الوقت الذي تعالج كلمات الاغنية موضوعا فكريا وليس طربيا راقصا، وتتكرر المشاهد ما بين القارب مع التركيز على وجه المحبوبة المهموم وفي ذلك ربما يكون اشارة الى أن المرأة أكثر تأثرا بكلام الناس. لو أن الفيديو كليب اقتصر على مشاهد حوار عاصف بين جورج وسوف ومحبوبته يظهر مدى الانزعاج من كلام الناس، ولو أظهر بعض المشاهد التي توحي بماهية كلام الناس المقصود لكان ذلك اكثر جدوى في ايصال مفهوم التمرد على أي جانب من كلام الناس.
أما اللحن فقد جاء منسجما في ايقاعه مع خلق حالة من التراكم الداخلي لدى المستمع للاغنية تولد لدّية التعاطف مع كل من تأثر ذات يوم بكلام الناس غير اللائق بحقه.
وبالمحصلة العامة علينا أن لا ننساق مع ذلك الكلام من كلام الناس الذي في غير محله.
